جاري تحميل محرك البحث

اهلاً وسهلاً بك في مجلس الخلاقي!
لكي تتمكن من المشاركه يجب بان تكون عضو معنا تسجيل الدخول بإستخدام الفيسبوك

تـسـجـيـل الـدخـول

|| للتسجيل معنا

فضائل الصدّيق رضي الله عنه ..

موضوع في 'المجلس الاسلامي' بواسطة khalid64, يناير 3, 2008.

    • :: الأعضاء ::

    khalid64

    • المستوى: 2
    تاريخ الإنضمام:
    نوفمبر 8, 2007
    عدد المشاركات:
    135
    عدد المعجبين:
    4
    الوظيفة:
    خاص جداً
    مكان الإقامة:
    قطر
    في آية الغار وموقف الشيعة منها والرد عليها



    من ذلك قولهم في آية الغار، وهي قول الله تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

    فقد اتفق المسلمون شيعة وسنة في نزول هذه الآية في قصة هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه ونزولها في غار ثور في طريقهما إلى المدينة.

    وفي الآية فضائل جمة للصديق رضي الله عنه:

    منها: عتاب الله للمسلمين جميعاً، وخروج الصديق منها.

    ومنها: النص على صحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يثبت ذلك لغيره من أصحابه، حتى قالوا في ذلك: إن إنكار صحبته كفر.

    ومنها: ما تضمنته من تسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لـه بقولـه: لا تَحْزَنْ [التوبة:40] وتعليل ذلك بمعية الله سبحانه الخاصة المفادة بقولـه: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] وهي كقولـه تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، ولم يثبت مثل ذلك في غيره، بل لم يثبت لنبي معية الله سبحانه لـه ولآخر من أصحابه، وكان في ذلك إشارة إلى أنه ليس فيهم كالصديق رضي الله عنه.

    ومنها: نزول السكينة على الصديق على خلاف في المسألة.

    وعلى أي حال، لا نطيل المقام في المسألة، حيث أننا سنسهب إن شاء الله تعالى كما ذكرنا في تفنيد شبهات القوم في كتابنا شبهات طال حولها الجدل، وإنما مرادنا هنا إيقافك على تأويلات القوم للفضائل وصرفها عن ظاهرها، وإليك بعض أقوالهم في آية الغار:

    أول ذلك: قولهم بالتحريف، وأن هذه الآية حذف منها كلمة رسوله.

    فعن ابن الحجال قال: كنت عند أبي الحسن الثاني ومعي الحسن بن الجهم، فقال لـه الحسن: إنهم يحتجون علينا بقول الله تبارك وتعالى: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ [التوبة:40] قال: وما لهم في ذلك؟ فوالله لقد قال الله: فأنزل الله سكينته عليه، وما ذكره فيها بخير، قال: قلت لـه أنا: جعلت فداك، وهكذا تقرءُونها؟ قال: هكذا قرأتها[401].

    وفي رواية: عن زرارة قال: قال أبو جعفر: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ [الفتح:26] ألا ترى أن السكينة إنما نزلت على رسوله[402]؟

    وذكر يوسف البحراني: أن الصحابة تصرفوا في هذه الآية لدفع العار عن شيخ الفجار -يعني: الصديق رضي الله عنه- حيث الوارد في أخبارنا أنها نزلت: [فأنزل الله سكينته على رسوله وأيده بجنود لم تروها]، فحذفوا لفظ [رسوله] وجعلوا محله الضمير[403].

    ثم تفننوا في صرف جميع وجوه الفضيلة في الآية إلى ضدها، نذكر منها:

    قوله تعالى " ثاني اثنين " بيان حال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم باعتبار دخوله الغار ثانيا ودخول أبي بكر أولا.

    ولا ادري أي شأن في هذا حتى ينزل الله فيه قرآنا.

    ومنها: أن وصفهما بالاجتماع في مكان واحد ليس فيه فضيلة؛ لأن المكان يجمع المؤمن والكافر، ومثلوا لذلك بأمثلة كسفينة نوح حيث جمعت النبي والشيطان والبهيمة.

    ومنها: أن ذكر الصحبة يجمع المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قول الله تعالى: قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً [الكهف:37].

    وأيضاً: اسم الصحبة يطلق على العاقل والبهيمة، والدليل على ذلك من كلام العرب أنهم سموا الحمار صاحباً، فقالوا:

    إن الحمار مع الحمار مطية ** فإذا خلوت به فبئس الصاحب

    ومنها: أن قولـه: لا تَحْزَنْ [التوبة:40] وبال عليه ومنقصة لـه، ودليل على خطئه، لأن قولـه: لا تَحْزَنْ [التوبة:40] نهي، وصورة النهي قول القائل: لا تفعل، فلا يخلو أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان طاعة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان معصية فقد نهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه، أما قولـه: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر أن الله معه، وعبَّر عن نفسه بلفظ الجمع كقولـه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

    وقد قيل أيضاً في هذا: إن أبا بكر قال: يا رسول الله، حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان فيه، فقال لـه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] أي: معي ومع أخي علي بن أبي طالب.

    أما نزول السكينة فإنما كان ذلك على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فدل إخراجه من السكينة على إخراجه من الإيمان.

    وأضافوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد الهجرة فوجئ بأبي بكر في الطريق، فخاف أن يدل كفار قريش عليه، فاضطر إلى أخذه معه، لأن أبا بكر أراد الهرب من مكة ومفارقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل هجرته.

    وقال آخرون: فلسنا نعلم استصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، لأنه روي: أنه فقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتبعه، وقيل: إنه لحقه بعدالة السفر، فسأله الصحبة، فلم يتمكن من كتمانه. ولو كان بأمره لاحتمل أمورا: منها: أنه كان معه في بيت عائشة بحيث لا يخفي عليه شيء من أمره، فلم يجد بدا من استصحابه، خوفا من إذاعته، إما لضعف رأى أو دين. ومنها: للأنس به. ومنها: إسلامه ظاهره له وظنه به الخير.

    ومنها: التكدير على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجزعه في الغار، وقد كان يكفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعلق خاطره المقدس بالسلامة من الكفار، فزاده جزع صاحبه شغلاً في خاطره، ولو لم يصحبه لاستراح من كدر جزعه واشتغال سرائره، وكان الخوف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا أن أوحي إليه، من أن يبلغ الجزع بأبي بكر أن يخرج من الغار ويخبر به الطالبين لـه من الأشرار، فصار معه كالمشغول بحفظ نفسه من ذل صاحبه وضعفه، زيادة على ما كان مشغولاً بحفظ نفسه، وغيرها.

    ومن الطرائف: أن علماء القوم تسابقوا إلى ادعاء هذه الكشوفات العظيمة ونسبتها إلى أنفسهم، فمنهم من نسب هذه الأكاذيب إلى الأئمة، ومنهم من نسبها إلى نفسه. . وهكذا[404].

    وأطرف منه ذكرهم -رغم كل هذا- أن الزنادقة كانوا يعرفون فضيلة الغار حيث يروون مثلاً: أن ابن الكواء قال لعلي: أين كنت حيث ذكر الله أبا بكر فقال: ثاني اثنين إذ هما في الغار[405]. ؟

    والكلام في شأن ملاقاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصديق رضي الله عنه في الطريق وأخذه معه مخافة أن يشي به إلى الكفار، ترده رواية عند القوم تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن خرج من بين القوم ليلة الهجرة مضى حتى أتى إلى أبي بكر فنهض معه وذهبا إلى الغار[406].

    بل وأوردوا قول الصديق رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شأن ابتياع الرواحل: ((قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب)).[407]

    والواقع أن الردود على هذه الترهات وعلى ما يأتي كثيرة، ولا يسعنا إيرادها، بل ليس ذلك غايتنا هنا أصلاً، كما ذكرنا، ويمكن لمن أرادها أن يطلبها من مظانها[408]. حتى يرى إن شاء الله تعالى كتابنا شبهات طال حولها الجدل النور.

    ولكن لا بأس من أن نورد هنا بعضاً منها ليتبين للقارئ فساد ما مر:

    قال تعالى مخاطباً موسى وهارون عليهما السلام: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46].

    وقال تعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يونس:65].

    وقال مخاطباً نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:88]

    وقال تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127].

    وكرر ذلك فقال تعالى: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النمل:70]

    وقال تعالى: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ [العنكبوت:33].

    وقال تعالى: قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى [طه:21].

    وقال تعالى: قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى [طه:68].

    وقال تعالى: وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ [النمل:10].

    وقال تعالى: وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ [القصص:31].

    والآيات في الباب كثيرة، فاسأل القوم هل أن قولـه: [لا تخافا - لا يحزنك - لا تحزن - لا تخف] وبال على الأنبياء عليهم السلام ومنقصة لهم، ودليل على خطئهم، لأن قولـه: [لا تخافا - لا يحزنك - لا تحزن - لا تخف] نهي، وصورة النهي قول القائل: لا تفعل، فلا يخلو أن يكون الحزن والخوف وقع من هؤلاء الأنبياء عليهم السلام طاعة أو معصية، فإن كان طاعة فإن الله عز وجل لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان معصية فقد نهاهم عز وجل عنها، وقد شهدت الآيات بعصيانهم بدليل أن الله عز وجل نهاهم؟!

    فتدبر ما سيئول إليه منطق القوم!

    ولم يشأ القوم أن يتركوا القصة تنتهي إلى هنا، بل جعلوا نهاية رحلة الهجرة بالصورة التي توضحها هذه الرواية.

    تقول الرواية: إن أبا بكر لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قباء فنزل بهم ينتظر قدوم علي، قال أبو بكر: ((انهض بنا إلى المدينة فإن القوم قد فرحوا بقدومك، وهم يتريثون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تقم ههنا تنتظر علياً، فما أظنه يقدم إليك إلى شهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلاماً أسرعه: ولست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عز وجل، وأحب أهل بيتي إلي، فقد وقاني بنفسه من المشركين، قال: فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأز وداخله من ذلك حسد لعلي، وكان ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي، وأول خلاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فانطلق حتى دخل المدينة وتخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقباء حتى ينتظر علياً)).[409]

    وعلى ذكر لقب الصديق، فقد قلب القوم هذه المنقبة إلى مثلبة، فقد أنكر بعضهم كلياً أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقَّب أبا بكر بالصديق، وأقر آخرون بذلك ولكن جعلوها هكذا كما تقول رواية عن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي عبدالله: جعلت فداك، سمَّى رسول الله أبا بكر بالصديق؟ قال: ((نعم، قال: فكيف؟ قال: حين كان معه في الغار، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة، قال: يا رسول الله، وإنك لتراها؟ قال: نعم، قال: فتقدر أن ترينيها؟ قال: ادن مني، قال: فدنا منه، فمسح على عينيه، ثم قال: انظر، فنظر أبو بكر فرأى السفينة وهي تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور أهل المدينة، فقال في نفسه: الآن صدقت إنك ساحر، فقال رسول الله: أنت الصديق)).[410]

    وهكذا. . وكأنهم بهذا يفتحون الباب لمبغضي الأمير رضي الله عنه لأن يقولوا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمره بالمبيت على فراشه ليلة الهجرة إلا ليقتله المشركون ظناً منهم أنه النبي، فيستريح منه، ولو علم فيه خيراً لاصطحبه معه.

    ولو قيل بأن العبرة في ذلك أنه رضي الله عنه قد افتدى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه، فيقال: ليس في الأمر افتداء، وذلك أن الأمير -كما يرى القوم- سيكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر موته مستبعد هنا فتنتفي الفضيلة المنسوبة إليه، وإن كان احتمال الموت قائماً فقد أبطلوا القول بإمامته.

    وهكذا تؤول سائر فضائله رضي الله عنه، فيقال مثلاً في قولـه صلى الله عليه وآله وسلم لـه: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي))، لو علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صحبته خيراً أو لرأيه ومشورته منفعة لاصطحبه معه في تلك الغزوة -أي: غزوة تبوك- ففي هذه الغزوة لم يأذن لأحدٍ بالتخلف عنها وهي آخر مغازيه، ولم يجتمع معه أحد كما اجتمع لـه فيها، فلم يتخلف عنه إلا النساء والصبيان أو من هو معذور لعجزه عن الخروج أو من هو منافق، ولم يكن في المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم كما كان يستخلف في كل مرة، بل كان هذا الاستخلاف أضعف من الاستخلافات المعتادة؛ لأنه لم يبق في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحد كما كان يبقي في جميع مغازيه، وقد اصطحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يعظم انتفاعه به ومعاونته لـه، ويحتاج إلى مشاورته والانتفاع برأيه ولسانه ويده وسيفه، والمتخلف إذا لم يكن لـه في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله.

    وقد أدرك علي رضي الله عنه ذلك -أي: أنه لا فائدة ترجى من ورائه إن بقي- فأخذ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، وتواتر قولـه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا رسول الله، تخلفني مع النساء والصبيان))؟ وفي بعض الروايات: أنه لحق به، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي، ألم أخلفك على المدينة؟ فما زال يعارض ذلك حتى استرضاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال لـه: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؛ ويؤول هذا -أيضاً- بأن المراد بالمنزلة التخلف والمكث عند من بقي من النساء والصبيان فحسب كما تخلف هارون على من بقي لما خرج موسى للقاء ربه.

    وهذه -أيضاً- لا تخلو من معارضتها لعقيدة العصمة، فلا بد أن يكون ما اتخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم صوابا وذلك لعصمته، أو خلاف ذلك بدلالة اعتراض الأمير على ذلك.

    بل ويمكن القول بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد الإشارة إلى خلافة الصديق رضي الله عنه، فمعلوم أن من خرج في صحبة موسي عليه السلام في رحلته هو يوشع بن نون، ومن بقي هو هارون عليه السلام، وكذلك من خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رحلته هو الصديق رضي الله عنه ومن بقي علي رضي الله عنه، ومعلوم أيضاً أن وصي موسي كان يوشع. فتأمل

    والقول في المسألة كثير.

    وكذا شجاعته يمكن أن تؤول بأن ذلك إنما كان ملك على صورته، وليس هو علي رضي الله عنه، وقد روى القوم أن الملائكة كانت تقاتل في صورته[411]، إذ ربما يكون ما ظهر منه هنا أو هناك من شجاعة وبطولة إنما كان من هذا الملك أو ذاك.

    وإن رُد على ذلك بأن نزول الملائكة على صورته في ذاته فضيلة لـه، رُد على ذلك بأن الملائكة بل وجبرئيل عليه السلام أعظم الملائكة كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحياناً على صورة دحية الكلبي رضي الله عنه [412]، وهكذا.

    حتى في أبسط المسائل كدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لـه: أعلى الله كعبك يا علي[413].

    فيمكن أن يؤوله الناصبة على أن ذلك إنما كان دعاء عليه لا لـه، فإعلاء الكعب كناية عن الصلب.

    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أقر الله عينك[414]. دعاء له بالعمى، فأقر الله عينك أي أسكنها عن الحركة وإذا سكنت العين عن الحركة عميت.



    وقد أعجبني ما سطره شيخنا محمد سالم الخضر في كتابه القيم " ثم أبصرت الحقيقة " في هذا الباب، وها انا أنقله بتمامه.



    ولتقرأ معي ما سيقوله الناصبي الحاقد بتمعن وإنصاف لترى كيف يُمكن للنظرية الشيعية أن تنسف نفسها بنفسها!



    على أني منذ البداية أبرأ إلى الله من الطعن في الإمام علي صراحة أو ضمناً، فالإمام علي إمام هدى، وله من المكانة والتقدير في قلوبنا ما يستحقه أمثاله من أرباب المناقب والمآثر العظيمة إلى جانب قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا نرتضي فيه طعناً أو انتقاصاً كما لا نرتضي ذلك في باقي الصحابة.



    لكني أريدك أيها القارئ الكريم أن تستشعر معي ظلم الشيعة الإثنى عشرية لأبي بكر وعمر وعثمان وباقي الصحابة، وتتلمس كيف يُمكن أن ينقلب هذا الظلم ظلماً لعلي بن أبي طالب كذلك حينما تكون الكلمة للناصبي والعدو المستهدف هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.



    يقول الناصبي: لقد رأيت في علي بن أبي طالب مثالاً للإحداث بعد رسول الله!ولهذا أبغضته وتبرأت منه!

    ترك الإمامة وهي أعظم أركان الدين والتي وردت فيها روايات شيعية كثيرة في بيان منزلتها وكونها أصلاً للدين لا يقوم إلا به!



    وتخلى عن الزهراء عليها السلام يوم أن ضُربت وصُبّت عليها المصائب!



    ولم يقدّم تجاه قضية فدك المغصوبة أي شيء فلم ينتصر لبنت رسول الله!



    وحكّم الرجال في كتاب الله وكل من شارك في التحكيم كافر (علي وأبو موسى الأشعري ومعاوية وعمرو بن العاص).



    وحجتي في الحديث ظاهرة، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في نص الحديث:(فأقول: يا رب مني ومن أمتي؟).



    وفي هذا دلالة قاطعة على أنّ المراد بالحديث هو علي بن أبي طالب!



    فإنكم تروون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في علي بن أبي طالب: (علي مني وأنا من علي)، تلك قرينة!



    وقرينة أخرى أستدل بها على أنّ المراد بالحديث (علي بن أبي طالب) هي إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المبدّلين من بعده بقوله: (أمراء يكونون من بعدي فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد عليّ الحوض) وقد غشي علي بن أبي طالب الظلمة أبا بكر وعمر وعثمان(2) وكان مستشاراً ووزيراً لهم كما تشهد بذلك كتب الشيعة الإثني عشرية من أولها إلى آخرها.



    وقد توعده النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث بسحب المنزلة التي أُعطيت له بقوله (فليس مني ولست منه ولا يرد عليّ الحوض) لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يعلم بما سيحدثه من بعده من الركون للظلمة وحب الدنيا والأُعطيات والامتيازات.



    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (فإذا جئتم قال الرجل: يا رسول الله ، أنا فلان بن فلان فأقول أما النسب فقد عرفته ولكنكم أخذتم بعدي ذات الشمال وارتددتم على أعقابكم القهقرى)(3) يؤكد تماماً أنّ المراد بالحديث هو علي بن أبي طالب لا غيره!!



    فالرجل الذي أتى رسول الله لم يقل له (أنا فلان بن فلان) لتعريف النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد صرّح بالحديث ذاته بمعرفته له ولمن معه فقال: (أما النسب فقد عرفته) وقال:(أعرفهم ويعرفوني) لكن الرجل أراد الإشارة إلى نسبه وقربه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظناً أنّ ذلك سيشفع له فيجيبه الرسول بقوله (أما النسب فقد عرفته) أي أنّ النسب والقرابة لها مقامها لكن ليس مع الإحداث من بعدي، وهذا ما حصل حين تركت ابنتي تُضرب ولم تفعل شيئاً وحين فعلت كذا وكذا.



    ويقول الناصبي: وما يؤكد أنّ ذاك الرجل هو علي بن أبي طالب هو صدر حديث المذادة عن الحوض حيث يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تزعمون أنّ قرابتي لا تنفع قومي والله إنّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، إذا كان يوم القيامة يُرفع لي قوم يُؤمر بهم ذات اليسار ، فيقول الرجل: يا محمد، أنا فلان بن فلان، ويقول الآخر: أنا فلان بن فلان، فأقول: أما النسب قد عرفت ، ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم على أعقابكم القهقرى).



    وفي رواية المفيد والطوسي في (أماليهما) عن أبي سعيد الخدري قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على المنبر: ما بال أقوام يقولون: إنّ رحم رسول الله لا ينفع يوم القيامة؟ بلى والله إنّ رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فرطكم يوم القيامة على الحوض، فإذا جئتم قال الرجل: يا رسول الله أنا فلان بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته، لكنكم أخذتم بعدي ذات الشمال، وارتددتم على أعقابكم القهقرى).



    فالرجل قد جاء متصوراً أنّ رحمه وقرابته ونسبه سيشفعان له إحداثه وتبديله لدين المصطفى، فقرر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرواية الشيعية أنّ القرابة شافعة لكنها لن تنفع من أحدث وارتد على عقبيه.



    ومما يؤكد أنّ المراد هنا علي بن أبي طالب هو ما ورد في كتب الشيعة الإثني عشرية من أحاديث كثيرة تفيد أنّ الناس يُدعون يوم القيامة بأسماء أمهاتهم(1) ، لكن الرجل الذي أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هو من رحم رسول الله، وقد أخبر الرسول الكريم بكل صراحة أنّ هذا الرجل سيقول (أنا فلان بن فلان) لا (فلان بن فلانة).



    ويكمل الناصبي كلامه قائلاً: فإن حاولت الدفاع عن علي بن أبي طالب واستشهدت بحديث لعمار أو سلمان أو المقداد فأخبرك منذ البداية أنهم ممن انقلبوا على أعقابهم مع علي بن أبي طالب والحديث يشملهم فارتضاؤهم له وتزكيتهم له وقبولهم لإمامته كافٍ لاستحقاقهم المصير ذاته، فإن قلت: وأين الأحاديث التي وردت في فضل علي وعمار وفلان وفلان أجبتك بأنّ فضائل أبي بكر وعمر وفلان وفلان لم تشفع لهم عندكم بل قلتم بانقلابهم على أعقابهم وشككتم بتلك الفضائل وكذلك الحال في علي بن أبي طالب ولا فرق!

    هذا بعض ما يُمكن أن يقوله الناصبي في الإمام علي بن أبي طالب والمقربين منه.



    أقول مخاطباً أرباب الضمائر الحية: هكذا تنسف النظرية الشيعية نفسها بنفسها .. ولن يستطيع الرد على هذا الناصبي الحاقد إلا أهل السنة ، الذين عرفوا لصحابة رسول الله حقهم وفضائلهم وأدركوا أبعاد أحداث الفتنة وأسبابها، وقالوا للناصبي وللشيعي الإمامي: على رسلكما... إنّ الذين أحدثوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فئة ارتدت عن الإسلام... قاتلها أبو بكر وعلي والصحابة ... فلقي حتفه من تلك الفئة من لقي وهو على الكفر، ليذاد يوم القيامة عن الحوض والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أصحابي أصحابي) والملائكة تجيبه (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).



    ما أجمل الإنصاف وأندره ... وما أجمل أن يدرك المرء المعاني الجليلة التي يذكرها هذا الحديث ... لكن ماذا تفعل مع التعصب وأهله؟!.. إنتهى كلامه حفظه الله.



    وتحت عنوان: رؤية ناصبي للإمام علي



    لنفترض الآن أنّ ذاك الناصبي بدأ ينقب في كتب الشيعة الإثنى عشرية دون غيرها ويتصيد العثرات ويعنون لكل ما يسطره من روايات بعناوين توحي بمضامينها حسب فهمه فإنّ ما سيجده هو الآتي:

    1- الإمام علي والدّين

    فمن الأمور التي سيقف عليها هذا الناصبي الخبيث المتصيّد للعثرات حديث رواه الحر العاملي في "وسائل الشيعة 18/317" عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أعوذ بالله من الكفر والديّن، قيل: يا رسول الله، أتعدل الدّين بالكفر؟ قال: نعم).



    فيأتي برواية شيعية أخرى رواها الحر العاملي عن علي بن طاووس بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قُبض علي عليه السلام وعليه دين ثمانمائة ألف درهم، فباع الحسن عليه السلام ضيعة له بخمسمائة ألف فقضاها عنه وباع بيعة له بثلاثمائة ألف فقضاها عنه)(1).



    ويقول لك الناصبي: انظر .. هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعدل الديّن بالكفر، وهذا علي يموت وعليه دين ، بالضبط كما يفعل الشيعة الإثنا عشرية عادة مع أبي بكر وعمر وباقي الصحابة ، لا يريد المرء منهم أن يتفهم النصوص ولا أن يجمع بينها ولا يتأكد من ثبوتها ولا أن يُحسن الظن ولا أن يعرف لهؤلاء الصحابة فضلهم ويعلم أنهم بشر يخطئون ويصيبون.



    فأما الشيعي الإثنا عشري فسيقف مبهوتاً أمام هذا الناصبي الخبيث .. كل ما سيفعله أحد أمرين: إما تكذيب الروايات (السابقة منها واللاحقة) أو شتم الناصبي ولعنه ، لأنه لن يستطيع الطعن في منهجية ذاك الناصبي، فالمنهجية بينهما مشتركة، هذا يطعن في علي ويستخدم النصوص بغير حق، وذاك يطعن في أبي بكر وعمر والبقية ويستخدم النصوص بغير حق فيهم!



    فإن قال له الشيعي: (الإمام علي له من الفضائل كذا وكذا فكيف تقول عنه هذا وتحمّل النصوص ما لا تحتمل) فسيقول له الناصبي: (ليست مشكلة، أنتم تناسيتم فضائل أبي بكر وعمر وطعنتم فيهما ولم تجدوا حرجاً في ذلك ، فما الحرج في فعلي؟ وعلي عندي ممن أحدثوا في الدين من بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أم أنكم تكيلون خصومكم بغير ما تكيلون به أنفسكم؟).



    2- إهانة اسم الله !

    وسيستدل الناصبي بما رواه شيخ القميين عبد الله بن جعفر الحميري في "قرب الإسناد ص154" عن جعفر الصادق عن أبيه الباقر قال: (كان نقش خاتم أبي محمد بن علي (ع): العزة لله جميعاً، وكان في يساره يستنجي بها، وكان نقش خاتم علي (ع): الملك لله، وكان في يده اليسرى يستنجي بها).



    ويُلحق هذه الرواية بتعليق المحقق الأردبيلي عليها والذي يقول فيه: (ويمكن استفادة استحباب التختم باليسار منهما وعدم تحريم التنجيس أيضاً إلا أن يكون ذلك ثابتاً بالإجماع ونحوه، أو يحمل على عدم وصول النجاسة إليه)(1).



    فيقول: انظر .. هذا هو إمامكم علي يهين اسم الله بهذه الصورة ، يستنجي باليد التي وضع فيها خاتماً عليه (الملك لله)! وهذا هو الكفر بعد الإيمان.



    أما الشيعي الإثنا عشري فلن يستطيع أن يرد على هذا الناصبي إلا بتكذيب للرواية وشتم للناصبي(2).

    وسيرد عليه الناصبي قائلاً: سبحان الله! .. ها أنتم تقبلون كل الروايات التي تطعن فينا نحن النواصب، وتقبلون كذلك الروايات التي تطعن في أهل السنة وغيرهم من الفرق وتقبلون قبل كل هذا الروايات الطاعنة في أبي بكر وعمر وعثمان والزبير وطلحة وغيرهم فما الذي جعل الروايات الطاعنة في علي دائماً ضعيفة مكذوبة، والروايات الطاعنة فينا وفي غيرنا دائماً صحيحة ، اللهم إلا الهوى!



    وهكذا يفعل الهوى في أصحابه، ولو التزم الفريقان الإنصاف وتقوى الله في تحري الحق ودراسة أسانيد الروايات حق الدراسة لما وجدنا من يطعن في صحابي.



    3- النظرة السلبية للمرأة

    قال الناصبي: لقد كرّم الله تعالى المرأة، وقرر مساواتها للرجل في أصل الخلق، وفي التكاليف، وفي الجزاء، فقال عزّ من قائل ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[ (سورة النساء: 1) وقال]إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً[(سورة الأحزاب: 35) وقال]فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْض[ (سورة آل عمران: 195).



    لكن إمامكم علي بن أبي طالب له رؤية أخرى، لا توافق الكتاب ولا السنة! فهو القائل: (المرأة عقرب حلوة اللبسة)(1) والقائل أيضاً: (المرأة شر كلها، وشر ما فيها أنه لا بد منها)(2).



    فأيّ نظرة جائرة هذه؟! ومن أين استقى إمامكم هذه النظرة الظلامية للمرأة؟ ولماذا أعرض عن القرآن والسنة وتأثر بالجاهلية في نظرتها السلبية للمرأة؟



    فبماذا سيجيبه الشيعي؟ أتراه سيُكذّب (نهج البلاغة)؟! أم يتأول هذه النصوص ويحملها على غير محملها خروجاً من المأزق؟



    4- اتهام الإمام علي بخيانة صحابي استضافه في بيته!

    وسيستدل الناصبي بما ذكره العلامة الشيعي الكبير يوسف البحراني في "الكشكول 3/76": (قال السيد الجليل المحدّث نعمة الله الجزائري في كتابه "زهر الربيع" المشهور بين الناس: وذكر صاحب كتاب "إحقاق الحق" أنّ السبب في تحريمه(3) متعة النساء أنه أضاف أمير المؤمنين (ع) ليلة وأنامه معه في داره، فلما أصبح قال له: يا علي، ألست قد قلت: من كان في البلد فلا ينبغي له أن يبات عزباً؟ فقال عليه السلام: اسأل أختك، وكان عليه السلام قد تمتع بها في تلك الليلة)!



    فإلى هذه الدرجة يصل الانحطاط .. حين يريد هؤلاء التشفي بعمر بن الخطاب رضي الله عنه بِنسبة استمتاع الإمام علي بن أبي طالب بأُخته!



    بالله عليكم ... أمن الدين أم مِن الأخلاق أن تستضيف رجلاً في بيتك فتتفاجئ به وقد تعدّى على محارمك بهذه الصورة؟!



    أترى هؤلاء الذين يدّعون التشيع للإمام علي بن أبي طالب يعرفون شيئاً عن أخلاق ودين وقيم الإمام علي؟!



    خلاصة الكلام

    إنّ الروايات السابقة روايات شيعية إثني عشرية لا دخل للنواصب ولا الزيدية ولا أهل السنة ولا المعتزلة ولا أي طائفة بها بل هي شيعية اثني عشرية صرفة، فالحجة فيها قائمة على الإثنى عشرية إن استدل بها النواصب على معتقدهم في الإمام علي.



    إنّ نظرة عوراء لرجل مؤمن مجاهد مبشر بالجنة كتلك التي رأيناها كفيلة بأن تستوقفك أيها الشيعي المنصف.



    إنّ هذه النظرة العوراء التي جعلت فرقة كالخوارج تطعن في الإمام علي على كل ما يُنسب له صحيحاً كان أم ضعيفاً، متناسية فضله وتضحياته للإسلام وطاعته لله وللرسول وجهاده مع الصحابة إلى حد أن باتت تلك الفرقة تكفّره وتلعنه وتطعن فيه ليل نهار!!



    هذه النظرة العوراء في حقيقتها هي أخت شقيقة لنظرة عوراء أخرى لا زالت الشيعة الإثنا عشرية تنظر بها إلى صحابة رسول الله الذين قدموا للإسلام ما قدّموا، وضحّوا بأرواحهم وأموالهم ولطخوا الأرض بدمائهم في سبيل رفعة هذا الدين، حتى لا يكاد كتاب شيعي يخلو من طعن في صحابي من صحابة رسول الله، وكأنّ تلك الفئة المختارة لصحبة خاتم الأنبياء والمرسلين لم تكن إلا فئة تجري وراء الدنيا ووراء مصالحها وأهوائها.



    عجباً لأولئك النفر الذين يتصيدون العثرات لأصحاب رسول الله! أما تفكروا في ذنوبهم؟ أما يخافون من سوء العاقبة والمنقلب وهم يعادون الأخيار ويتهمونهم بأشنع التهم؟! إنتهى كلامه.



    وهكذا سائر فضائله رضي الله عنه، ونحن نعلم يقيناً فساد ما مر بك، ولكن هل يرضى القوم بهذا المنهج، وهل به سيسلم أحد إذا ما نحن صرفنا النصوص عن ظاهرها وأولناها؟!!



    ثم أنه يمكننا، وبعد أن ننتهي من رد جميع فضائله رضي الله عنه بهذا المنهج، أن نعرج على طعون الشيعة في أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، فنردها، ونحيلها إلى فضائل، بذات المنهج. وخذ على ذلك مثالاً، فقصة هَم عمر بحرق دار علي وفاطمة رضي الله عنهماً، يمكننا أن نقول أنها فضيلة لعمر. فبعض الروايات المزعومة تذكر بأنه قد همّ بحرق البيت ولم يفعل, ومعلوم من الدين أن من همّ بالسيئة ولم يفعلها لم تكتب عليه، بل تكتب له حسنة وفي أخرى عشر حسنات، كما في بعض الروايات. إذن فقصة حرق الدار من فضائل عمر وليست من مثالبه، هذا حسب منهج القوم، كما فعلوا مع قصة الغار التي جعلوها منقصة للصديق رضي الله عنه. وهكذا سائر ما نسب إليهم من نقائص. فتأمل.



    ثم هل ننسى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأسامة بن زيد رضي الله عنه وقد قتل اليهودي الذي قال: ((أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقال لـه: قتلت رجلاً شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ فقال أسامة: يا رسول الله، إنما قالها تعوذاً من القتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفلا شققت الغطاء عن قلبه، لا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان في نفسه علمت، فحلف أسامة بعد ذلك أنه لا يقاتل أحداً شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)).[415]



    وقولـه صلى الله عليه وآله وسلم لعمه العباس رضي الله عنه يوم بدر وقد قال لـه: ((إنني أسلمت، فقال: الله أعلم بإسلامك، إن يكن ما تذكر حقاً فإن الله عز وجل سيجزيك عليه، فأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا)).[416]

    وما رواه الصادق أنه كان في بني إسرائيل عابد، فأوحى الله إلى داود أنه مراء، قال: ((ثم إنه مات فلم يشهد جنازته داود عليه السلام، قال: فقام أربعون من بني إسرائيل، فقالوا: اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيراً وأنت أعلم به منا، فاغفر لـه، قال: فلما غسل أتى أربعون غير الأربعين، وقالوا: اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيراً وأنت أعلم به منا فاغفر لـه، فلما وضع في قبره قام أربعون غيرهم، فقالوا: اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيراً وأنت أعلم به منا فاغفر لـه، قال: فأوحى الله إلى داود عليه السلام: ما منعك أن تصلي عليه؟ فقال داود: للذي أخبرتني، قال: فأوحى الله إليه أنه قد شهد قوم فأجزت شهادتهم، وغفرت لـه ما علمت مما لا يعلمون)).[417]

    نعود إلى ما كنا فيه من الحديث عن فضيلة صحبة الصديق رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الهجرة، ونكتفي بما أوردناه، إذ مطاعن القوم في ذلك كثيرة، وكذلك الردود، ولكن ننهي ذلك بهذه الرواية التي أوردها القوم.



    فقد ذكروا أن الله عز وجل أوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قصة ليلة المبيت: ((آمرك أن تستصحب أبا بكر فإنه إن آنسك وساعدك ووازرك وثبت على ما يعاهدك ويعاقدك كان في الجنة من رفقائك، وفي غرفاتها من خلصائك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر: أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب، وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ما أدعيه، فتحمل عني أنواع العذاب؟

    قال أبو بكر: يا رسول الله، أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل علي موت مريح ولا فرج منج، وكان في ذلك محبتك لكان ذلك أحب إليَّ من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع ممالك ملوكها في مخالفتك، وهل أنا ومالي وولدي إلا فداؤك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا جرم أن اطلع الله على قلبك ووجد ما فيه موافقاً لما جرى على لسانك، جعلك مني بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد، وبمنزلة الروح من البدن كعلي الذي هو مني كذلك)).[418]



    وعلى ذكر التشبيه بالمنزلة، فقد أورد القوم عن الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي رضي الله عنه قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن أبا بكر مني بمنزلة السمع، وإن عمر مني بمنزلة البصر، وإن عثمان مني بمنزلة الفؤاد)).[419]



    ولا شك أنك تنتظر كيف أولوا هذا الحديث، فإليكها: روى القوم أن معنى ذلك أنهم سيسألون عن ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقولـه تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36] [420].

    حتى وإن قلت: إن الآية عامة لجميع المكلفين فلم خص هؤلاء الثلاثة بالذكر؟ تجدهم يقولون: إنهم لشدة خلطتهم واطلاعهم على ما أبداه في أمير المؤمنين بمنزلة السمع والبصر والفؤاد، فتكون الحجة عليهم أتم، ولذا خصوا في تلك الآية مع عموم السؤال لجميع المكلفين[421].

    وكذا قولهم في بعثة أبي بكر رضي الله عنه بسورة براءة إلى المشركين الذي أجمع عليه المفسرون ونقله الأخباريون من شيعة وسنه، ثم أخذها منه ودفعها إلى علي رضي الله عنه لم تسلم من رد القوم لها، فقد عزَّ على القوم أن بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصديق رضي الله عنه ابتداء، فرووا أن الباقر قال: لا والله ما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر ببراءة أهو كان يبعث بها ثم يأخذها منه. . . الرواية[422].

    نعود إلى ذكر أقوال القوم في تأويل وصرف الفضائل:

    منها: حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما كلمت أحدا في الإسلام إلا أبي علي وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه، قالوا: إنما أسلم أو استسلم أبو بكر طمعا في جاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودولته الذي وجد الإخبار عنه عن بعض الرهابين وأحبار أهل الكتاب فلسبق هذا الوجدان والطمع استسلم ولم يتردد بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.[423]

    ومنها: حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر قي نفسه. قالوا: مراده صلى الله عليه وآله وسلم هو حب الرئاسة التي صار مفتونا به، ويزعم أتباعه الرعاع أن المراد به الخلوص والاعتقاد بالله ورسوله[424].

    ومنها: عتق الصديق لبلال رضي الله عنهما. قالوا: إن إعتاق أبي بكر لبلال من ماله لا يصلح لأن يصير منة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكم من عبد لله أعتقه غير أبي بكر من المهاجرين والأنصار في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم مع احتمال أن يكون إعتاقه لبلال في كفارة قسم أو صوم أو إظهار ونحو ذلك فلا منة له في ذلك على الله تعالى ولا على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم[425].

    المضحك أن هذه الكفارات لم تكن قد شرعت بعد، عند عتق بلال رضي الله عنه حيث كان عتقه في بدء الدعوة.

    ومنها: قوله تعالى " وشاورهم في الأمر " فعن ابن عباس رضي الله عنها أنها نزلت في أبي بكر وعمر. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله أمرني أن أستشير أبا بكر وعمر. قالوا: بعد تسليم صحة الخبر لا دلالة في الآية على فضل أبي بكر وصاحبه عمر لجواز أن يكون ذلك الأمر لتأليف قلوبهم وتطييب خواطرهم لا للحاجة إلى رأيهم فغاية ما يلزم منها أن يكونا من مؤلفة القلوب وقال بعض مشايخنا قدس الله سره: إن الله تعالى أعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن في أمته بل في صحابته الملازمين له من يبتغى له الغوائل، ويتربص به الدوائر، ويسر خلافه، ويبطن مقته، ويسعى في هدم أمره، وينافقه في دينه، ولم يعرفه أعيانهم، ولا دله عليهم بأسمائهم فأمره بمشورتهم ليصل بما يظهر منهم إلى باطنهم فإن الناصح يبدو نصيحته في مشورته والغاش المنافق يظهر ذلك في مقالته فاستشارهم صلى الله عليه وآله وسلم لذلك[426].

    ومنها: في قوله تعالى: " والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى، إن سعيكم لشتى " أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه لله فأنزل الله هذه الآية أي إن سعى أبي بكر وأمية وأبى لمفترق فرقا عظيما فشتان ما بينهما. قالوا: بعد تسليم صحة رواية النزول في كون معنى الآية على ما ذكر، لا دلالة فيها إلا على الفرق بين سعي أبي بكر وسعي كافرين وليس في هذا فضيلة كما لا فضيلة بين فرعون ونحوه من كل جبار عنيد في أن يقال: إنه أصلح من الشيطان المريد[427].

    ومنها: رواية أن بعضهم مر بنفر يسبون الشيخين فأخبر عليا وقال لولا أنهم يرون أنك تضمر ما أعلنوا ما اجترأوا على ذلك فقال علي أعوذ بالله رحمهم الله ثم نهض وأخذ بيد ذلك المخبر وأدخله المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء فجعلت دموعه تتحادر على لحيته وجعل ينظر البقاع حتى اجتمع الناس ثم خطب خطبة بليغة من جملتها " ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين وأنا برئ مما يذكرون، وعليه معاقب، صحبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجد والوفاء والجد في أمر الله تعالى يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان لا يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرأيهما رأيا ولا يحب كحبهما حبا لما يرى من عزمهما في أمر الله فقبض وهو عنهما راض والمسلمون راضون فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره في حياته وبعد موته فقبضا على ذلك رحمهم الله تعالى فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل، ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقي مارق، وحبهما قربة وبغضهما مروق ثم ذكر أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر بالصلاة وهو يرى مكان علي ثم ذكر أيضاً أنه بايع أبا بكر ثم ذكر استخلاف أبي بكر لعمر ثم قال ألا ولا يبلغني عن أحد أنه يبغضهما إلا جلدته حد المفتري. قالوا: يعلم من هذا الخبر وكثير من أمثاله بعد تسليم صحتها أنه عليه السلام كان في زمانه متهما بأعمال التقية في شأن الشيخين ويظهر منه أن تجويز التقية والحكم بشرعيتها ليس من مخترعات الشيعة كما قد يتوهم وأي تقية أظهر من أنه عليه السلام قال في ضمن جوابه لسؤال ذلك البعض قوله " رحمهم الله " بضمير الجمع الظاهر في كونه راجعا إلى تلك النفر السابين المذكورين في الخبر غاية الأمر أنه عليه السلام ذكر أولا قوله " أعوذ بالله " ليوقع في وهم ذلك البعض أنه عليه السلام يستعيذ من سب الشيخين فيذهل بعد ذلك عن ظهور إرجاع الضمير الآتي في قوله " رحمهم الله " إلى تلك النفر السابين ويزعم بقرينة الاستعاذة المطلقة المبهمة أن ضمير الجمع راجع إلى الشيخين من أجل توهمه أن تلك الاستعاذة المطلقة منصرفة إلى الاستعاذة من سبهما وأن الإتيان بضمير الجمع دون التثنية للتعظيم وأما باقي الأوصاف المذكور لهما من الوزارة والسيادة وأبوة المسلمين مع أن الأخير منها غصب لما خص به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كونه أبا للمسلمين كأزواجه بكونهن أمهاتهم مسوقة تهكما على طبق ما يصفهما به أوليائهما كقوله تعالى ذق إنك أنت العزيز الكريم[428].

    ومنها: الرواية الأخرى: ما اجترأوا على ذلك أي سب الشيخين إلا وهم يرون أنك موافق لهم منهم عبد الله بن سبأ وكان أول من أظهر ذلك لهما فقال علي معاذ الله أن أضمر لهما ذلك لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل. قالوا: بعد تسليم صحتها يتوجه عليه أن غاية ما يدل عليه هو استعاذة علي عليه السلام عن سب الشيخين والسب مما يستعيذ منه الشيعة أيضاً ولا يجوزونه بالنسبة إلى الكافر فضلا عن المسلم والمنافق وإنما الذي جوزوه هو اللعن على من يستحقه كما مر وفرق ما بينهما بين. وأما قوله عليه السلام " لعن الله من أظهر لهما إلا الحسن الجميل " فلا دليل فيه على عدم استحقاق الشيخين عنده للعن المتنازع فيه لأن مراده بالحسن الجميل ما هو اللائق بهما عند الله وإن كان طعنا أو لعنا ضرورة أن الحسن الجميل بحال الجبت والطاغوت وفرعون ونمرود ليس إلا مثل ذلك[429].

    ومنها: رواية أبي جعفر عن أبيه علي بن الحسين رضي الله عنهم أنه قال لجماعة خاضوا في أبي بكر وعمر ثم في عثمان،. ((ألا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ؟ قالوا لا، قال فأنتم الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم، يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ؟ قالوا لا، قال أما أنتم فقد برئتم أن تكونوا في أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل فيهم: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)). قالوا: إن ما نقله عنه عليه السلام إنما يدل على أن المخاطبين لم يكونوا من الفريقين المذكورين في الآيتين ولا دلالة له على أن الثلاثة كانوا داخلين فيهما وبالجملة هذا كلام مجمل مبهم مستعمل في مقام التقية وإجماله أقوى قرينة على ذلك فلا ينتهض حجة علينا أصلا[430].

    ومنها: رواية الحسين بن محمد بن الحنفية أنه قال ((يا أهل الكوفة اتقوا الله عز وجل ولا تقولوا لأبي بكر وعمر ما ليسا بأهل له إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار ثاني اثنين وإن عمر أعز الله به الدين)). قالوا: يمكن أن يكون مراده بقوله " اتقوا الله " الأمر بالتقية كما فسر قوله تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " بأن المراد أعملكم بالتقية فسقط الاستدلال وبالجملة ما روي عنه كلام مجمل مبهم لا يصدر مثله إلا في مقام التقية أما لفظ " اتقوا " فلما عرفت. وأما قوله " ولا تقولوا لأبي بكر وعمر ما ليسا بأهل له " فلما مر من أن ما يستأهله الشيخان عند أهل البيت وشيعتهم هو الذم دون المدح، فهذا الخبر لنا لا علينا. ولا ينافي هذا الحمل ما استدل به رضي الله عنه بعد ذلك مما يوهم اعتقاده فيهما اتصافهما بالفضل والكمال لأن هذا مجرد وهم، لا يذهب إليه من له أدنى فهم. وأما ما ذكره رضي الله عنه من صحبة الغار، فلما سنبينه في موضعه اللائق من أنه لا يوجب لأبي بكر إلا العار والشنار. وأما قوله " إن عمر أعز الله به الدين " فلأنه في الحقيقة إشارة إلى فجوره وتذكر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " والملخص أنه قد جرت عادة الأئمة عليهم السلام وأكابر شيعتهم في مقام عروض الخوف والتقية أن يضحكوا على لحية الخصام، بإلقاء مثل هذه الكلمات الجامعة البالغة في درجات الإيهام والإبهام الذي لا يطلع على حقائقها إلا ذوو الأفهام[431].

    ومنها: رواية جعفر الصادق رحمه الله أنه قال: ((ما أرجوا من شفاعة علي شيئا إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله ولقد ولدني مرتين)). قالوا: الخبر كذب أو قصد به مجرد التقية. وأما قوله عليه السلام " ولقد ولدني مرتين " فبيان للواقع لا للافتخار به كيف وقوم أبي بكر أرذل طوائف قريش وقال علي عليه السلام في شأن محمد بن أبي بكر " إنه ولد نجيب من أهل بيت سوء[432].

    ومنها: رواية زيد بن علي أنه قال لمن يتبرأ منهما: ((أعلم والله أن البراءة من الشيخين البراءة من علي)). قالوا: بعد تسليم صحة السند أراد رضي الله عنه بقوله البراءة من علي أن عليا عليه السلام أمر شيعته بالتقية والاحتراز عن الطعن في أبي بكر وعمر فمن تبرأ عنهما تبرأ عن علي عليه السلام لمخالفة أمره[433].

    ومنها: مقاله زيد بن علي رحمه الله لما سئل عن الشيخين " أين أبو بكر وعمر ؟ " فقال: ((هما أقاماني هذا المقام)). يعني لو كانا خليفة في هذا الزمان لما اضطر زيد إلى ذلك. قالوا: أن مراده أن غصبهما الخلافة عن آبائه عليهم السلام وحملهما الناس على رقاب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أوجب إذلال زيد وسائر أولادهم رضي الله عنهم وجرأة من غصب الخلافة بعدهما من بني أمية على سفك دمائهم وإقامتهم مقام فنائهم [434].

    ومنها: رواية سالم بن أبي الجعد قلت لمحمد بن الحنفية رضي الله عنه هل كان أبو بكر أول القوم إسلاما، قال: ((لا ؟ قلت: فبمن علا أبو بكر ؟ قال لأنه كان أفضل إسلاما حين أسلم حتى لحق بربه)). قالوا: الظاهر أن مراد السائل سؤاله عن وجه علو أبي بكر في أرض الخلافة، واستعلائه على عرش الإمامة وقوله رضي الله عنه " لأنه كان أفضل إسلاما حين أسلم " لا يصلح وجها له إلا تهكما واستهزاء لأن غاية ما يدل عليه أفضلية إسلام أبي بكر حين إسلامه على ما بعده من الأحيان وليس في ذلك دلالة على فضيلة يستحق بها الخلافة بل يدل على سوء عاقبته بمخالفته رسول صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ونحوه بعد حين فتأمل[435].

    ومنها: عن سالم قال دخلت على أبي جعفر فقال وأراه قال ذلك من أجلي: ((اللهم إني أتولى أبا بكر وعمر وأحبهما، اللهم إن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة. قالوا: الظاهر أن قوله " قال ذلك من أجلي " أي لأجل خاطري صريح في أنه فهم منه عليه السلام أعمال التقية معه)).[436]

    ومنها: عن سالم عن جعفر أنه قيل له: ((إن فلانا يزعم أنك تتبرأ من أبي بكر وعمر فقال برء الله من فلان إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر " ولقد مرضت فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم. قالوا: هذا أيضاً كسابقه مما ذكره عليه السلام لأجل خاطر سالم لعنه الله تقية منه وضحك به على لحيته ولا دلالة في قوله عليه السلام " نفعني الله بقرابتي من أبي بكر " على النفع الديني)).[437]

    ومنها: قول جعفر، عن أبيه رحمهما الله: (( أن عليا عليه السلام لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا. قالوا محمول على التقية[438].

    ومنها: حديث علي رضي الله عنه: (0أثبت حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد. قالوا: إنما عنى إن عليك نبي الله وصديقا وشهيدا يعني عليا عليه السلام)).[439]

    ومنها: قول زيد بن علي رحمهما الله: ((أعلم والله أن البراءة من الشيخين البراءة من علي)). قالوا: بعد تسليم صحة السند أراد رضي الله عنه بقوله البراءة من علي أن عليا عليه السلام أمر شيعته بالتقية والاحتراز عن الطعن في أبي بكر وعمر فمن تبرأ عنهما تبرأ عن علي عليه السلام لمخالفة أمره[440].

    ومنها: ما كان من شأن آيات الإفك التي نزلت في تبرئة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما المبرأة من فوق سبع سموات في القصة المعروفة، فالقوم قلبوا القصة رأساً على عقب، فجعلوا كل تلك الآيات نازلة في ذم عائشة رضي الله عنها لا تبرئتها، فقالوا: إن هذه الآيات نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة.[441]

    ومنها: قولهم في لقب الفاروق رضي الله عنه، فعن خالد بن يحيى قال: قلت لأبي عبدالله: ((لم سمي عمر الفاروق؟ قال: نعم، ألا ترى أنه قد فرق بين الحق والباطل وأخذ الناس بالباطل)).[442]

    ولا أدري إن كانت هذه الرواية مدحاً لـه أم ذماً، وإن كنت أظنها الأخيرة، ولكن ما ذنب عمر رضي الله عنه إن أخذ الناس بالباطل؟

    وعلى ذكر التسمية، فقد قالوا في علة تسمية أمير المؤمنين رضي الله عنه لأبنائه بأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. قالوا : لأنه قد كان علم أن شيعته سيحتاجون في آخر الزمان إلى الترحم على أبى بكر وعمر وعثمان ، تقية من شيعتهم ، فسمى بنيه بأسمائهم ، حتى يكون ذلك الترحم واقعا عليهم . ولان ينصب لهم من إذا قصدوا إليه بالترحم أصابوا الحق ولم يحتاجوا إلى الالطاط.

    ومنها: قول علي رضي الله عنه في الفاروق رضي الله عنه لما قبض: ((لوددت أن ألقى الله تعالى بصحيفة هذا)).

    وفي رواية: ((إني لأرجو أن ألقى الله تعالى بصحيفة هذا المسجى)).

    فكان تأويلهم لهذا أن عمر واطأ أبا بكر والمغيرة وسالماً مولى أبي حذيفة وأبا عبيدة على كتابة صحيفة بينهم يتعاقدون فيها على أنه إذا مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يورثوا أحداً من أهل بيته، ولم يولوهم مقامه من بعده، وكانت الصحيفة لعمر إذ كان عماد القوم، فالصحيفة التي ود أمير المؤمنين ورجا أن يلقى الله عز وجل بها هي هذه الصحيفة ليخاصمه بها ويحتج عليه بمضمونها[443].

    وعلى ذكر هذه الصحيفة وذكر سالم مولى أبي حذيفة، روى القوم عن الصادق رحمه الله أنه قال: أن تلقيب سالم بالأمين لأنهم لما كتبوا الصحيفة وضعوها على يد سالم، فصار الأمين[444].

    ومنها: رواية أن علي قال لعمر وهو مسجى: ((صلى الله عليك)) ودعا له. قالوا: لعل تلك الصلاة وقعت عنه عليه السلام عندما سجي عمر بثوب الكفن ووضع في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مترصدين لدفنه في جواره صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام إنما صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمشاهدته لمرقده حينئذ فاشتبه الأمر على الناس، وعلى تقدير تسليم وقوع تلك الصلاة قبل كفن عمر وإخراجه إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيجوز أن يكون عليه السلام قد استحضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذهنه ذلك الوقت فصلى عليه بصيغة الخطاب كما في قوله تعالى " إياك نعبد وإياك نستعين " فوقع الاشتباه. وأما الدعاء فلعله كان عليه سرا لا جهرا أو كان جهرا ولكن بأعماله عليه السلام الألفاظ الإيهامية[445].

    ومنها: رواية الصادق رحمه الله التي سئل فيها عن أبي بكر وعمر، ((فقال: كانا إمامين قاسطين عادلين، كانا على الحق وماتا عليه، فرحمة الله عليهما يوم القيامة))، فلما خلا المجلس، قال له بعض أصحابه: كيف قلت يا بن رسول الله ؟ !. فقال: نعم، أما قولي: كانا إمامين، فهو مأخوذ من قوله تعالى: وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار، وأما قولي قاسطين، فهو من قوله تعالى: وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا، وأما قولي عادلين، فهو مأخوذ من قوله تعالى: الذين كفروا بربهم يعدلون، وأما قولي كانا على الحق، فالحق علي عليه السلام، وقولي: ماتا عليه، المراد أنه لم يتوبا عن تظاهرهما عليه، بل ماتا على ظلمهما إياه، وأما قولي: فرحمة الله عليهما يوم القيامة، فالمراد به أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينتصف له منهما، آخذا من قوله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[446].

    ومنها: رواية أبي جحيفة قال: دخلت على علي في بيته فقلت: ((يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال مهلا يا أبا جحيفة ألا أخبرك بخير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر ويحك يا أبا جحيفة لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن)). قالوا: لا يلزم من كون أبي جحيفة صحابيا صاحبا لعلي عليه السلام كما ذكره علماء الرجال من الطرفين أن يكون كل ما نقل عنه صحيحا لجواز أن يكون الخلل فيمن نقل عنه من أهل السنة الذين جرت عادتهم على وضع الخبر على سادات أهل البيت[447].

    ولا ننسى تأويلهم لقولـه صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، فقد أورد القوم عن محمد بن مروان قال: سألت أبا عبدالله: جعلت فداك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أعز الإسلام بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب، فقال: يا محمد، قد والله قال ذلك، وكان أشد عليَّ من ضرب العنق، ثم أقبل علي، فقال: هل تدري ما أنزل الله يا محمد؟ قلت: أنت أعلم جعلت فداك، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في دار الأرقم، فقال: اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب، فأنزل الله: وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف:51])). [448]

    ومنها: قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا سارية الجبل -في الرواية المشهورة- فقالوا: إنما كان ذلك أن عمر شكا إلى علي رضي الله عنه غمة لانقطاع خبر عسكر المسلمين فأخبرهم بخبرهم، وأن عسكر المشركين أحاطوا بهم، وأنهم إن لم يصعدوا الجبل قتلوا عن آخرهم فسأله أن يريه إياهم، فصعد المنبر معه، ومسح على عينيه فرآهم، وقال: يا سارية الجبل، فسمعوا صوته، ثم جاء الخبر بما قال علي رضي الله عنه، ووعده عمر أنه إن فعل ذلك خلع نفسه ولم يفعل[449].

    ومنها: صلاته رضي الله عنه خلف الثلاثة رضي الله عنهم، قالوا في ذلك: جعلهم بمثل سواري المسجد[450].

    ومنها: جلوس أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العريش يوم بدر، حيث كانوا معه في مستقره يدبران الأمر معه صلى الله عليه وآله وسلم، ولولا أنهما أفضل الخلق عنده ما اختصهما بالجلوس معه، قالوا في ذلك: إنه صلى الله عليه وآله وسلم علم أنهما لا يصلحان للقتال، فإما أن ينهزما أو يوليا الدبر كما صنعا يوم أحد وخيبر وحنين، أو يلحقهما من الخوف والجزع فيصيران إلى أهل الشرك مستأمنين[451].

    رغم كذب ادعاء الهروبات هذه إلا أن الطريف الذي يستحق الذكر هنا أن قصة الجلوس في العريش هذه إنما كانت يوم بدر، وغزوة بدر كانت أولى الغزوات، فكيف تفسر هذا؟! والغريب أن يردد ذلك أساطين القوم كالمفيد والحلي، وهو أمر لا يجهله حتى الصبيان!

    ومنها: ما تواتر من قول علي رضي الله عنه على منبر الكوفة: ((لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري)).[452]

    فمن ذلك: ما قاله المفيد: إنما أَوجب عليه حد المفتري من حيث أَوجب لهما بالمفاضلة ما لا يستحقانه من الفضل؛ لأن المفاضلة لا تكون إلا بين متقاربين في الفضل، والرجلان -أي: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما- بجحدهما النص قد خرجا عن الإيمان، فبطل أن يكون لهما فضل في الإسلام، فكيف يحصل لهما ما يقارب فضل أمير المؤمنين؟[453].

    أما قول المفيد فغير مفيد ولا يستحق الرد.

    ومن ذلك: ما ذكره الفضل بن شاذان، حيث قال: إنما روى هذا الحديث سويد بن غفلة، وقد أجمع أهل الآثار على أنه كثير الغلط.

    أما كذب الادعاء الآخر -أي: القول بإجماع أهل الآثار على أنه كثير الغلط- فليته دلنا على هؤلاء، وحسبك رد الخوئي على رواية ابن شاذان هذه بعد إيراده لأقوال أضرابه في وثاقة ابن غفلة وأنه من أولياء أمير المؤمنين بقولـه: هذه الرواية مرسلة لا يعتمد عليها، وكيف يصح ذلك وقد اعتمد الفضل بنفسه على رواية سويد بن غفلة كما عرفت، على أن هذه الرواية رويت عن سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، دون سويد ابن غفلة[454].

    ويشير بقولـه: وقد اعتمد الفضل بنفسه على رواية سويد بن غفلة، إلى ما أورده الطوسي في تهذيبه من طريق ابن شاذان نفسه، عن حنان، قال: كنت جالساً عند سويد ابن غفلة، فذكر حديثاً، ثم قال الطوسي: قال الفضل: وهذا الخبر أصح مما رواه سلمة ابن كهيل؛ لأن سلمة لم يدرك علياً، وسويد قد أدرك علياً[455].

    ومثل هذا القول قولـه رضي الله عنه: ((خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، فمن راد للخبر من أصله، ومن قائل: إن الباقر سئل عن هذا القول، فقال: إن الرجل يفضل على نفسه من ليس هو مثله حباً وتكرماً)).[456]

    وقال آخر قد يكون قوله صلوات الله عليه خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر على معنى أن من ولي مكانهما بعدهما من المتغلبين شر على الأمة. وأنهما خير منهم في سيرتهما في الناس[457].

    ومنها: ما جاء في بعض الروايات في أسباب نزول قولـه تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً [التحريم:3]، من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بشَّر زوجته حفصة بنت عمر رضي الله عنهما بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سيلي الخلافة بعده، ومن بعده سيلي عمر بن الخطاب[458]، زادوا في ذلك بأن حفصة رضي الله عنها لما أخبرت عائشة رضي الله عنها وأخبرا أبويهما بذلك، اجتمعوا على أن يسموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[459].

    وعلى ذكر البشارة هذه، فقد زعم القوم أن ولاية أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مذكورة في كتاب دانيال عليه السلام، وأنهما رضي الله عنهما كانا على علم بهذا؛ لهذا أسلما وتبعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلباً للولاية التي ذكرها دانيال في كتابه الموجود الآن بأيدي أهل الكتاب في الفصل التاسع منه[460].

    ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر)). قال العلامة الحلي في ذلك: إن الاقتداء بالفقهاء لا يستلزم كونهم أئمة، وهو أيضاً معارض لحديث: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم[461].

    وقال آخر: قال صلى الله عليه وآله وسلم اقتدوا بالذين من بعدي ابابكر وعمر بالنص على النداء على أن يكونا مأمورين بالاقتداء واللذان بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتاب الله وعترته كما ذكر في الخبر المشهور ويحتمل الرفع على أن يكون المعنى اقتدوا أبو بكر وعمر بالذين من بعدي كتاب الله وعترته ويظهر من كلام الشيخ الأجل ابن بابويه القمي ره في كتاب عيون أخبار الرضا إن الرواية قد وردت على طبق هذين الاحتمالين فتأمل هذا[462].

    وقال آخر وهو أيضاً لم يستطع رد الحديث لصحته: هذا الخبر لا يداني خبر الغدير؛ لأنه من الآحاد، وقال: إن قولـه: بعدي مجمل ليس فيه دلالة على المراد بعد وفاتي، أو بعد حالٍ من أحوالي.

    أقول: هل يرى القوم هذا التأويل في جميع الروايات التي وضعوها في إمامة علي رضي الله عنه.

    وقال آخر: إن سبب هذا الخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان سالكاً بعض الطريق وهما متأخران عنه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم لبعض من سأله عن الطريق الذي يسلكه به: اقتدوا باللذين من بعدي.

    وقال آخر: إن الحديث روي بصيغة: أبو بكر وعمر، ومنهم من روى: أبا بكر وعمر ولو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قولـه بالنصب: اقتدوا باللذين من بعدي: كتاب الله والعترة يا أبا بكر وعمر، ومعنى قولـه بالرفع: اقتدوا أيها الناس وأبو بكر وعمر باللذين من بعدي: كتاب الله والعترة[463].

    وعلى ذكر رواية: أصحابي كالنجوم فقد عدَّ المحدثون من أهل السنة هذا الحديث من الموضوعات، ورغم ذلك يروي القوم عن الأئمة ما يفيد صحته، فعن الرضا أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وعن قولـه صلى الله عليه وآله وسلم: دعوا لي أصحابي فقال: هذا صحيح، يريد من لم يغير بعده ولم يبدل، قيل: وكيف نعلم أنهم قد غيَّروا وبدلوا؟ قال: لما يرونه من أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليذادن رجال من أصحابي يوم القيامة عن حوضي كما تذاد غرائب الإبل عن الماء، فأقول: يا رب، أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: بعداً لهم وسحقاً. أفترى هذا لمن لم يغير ولم يبدل[464] ؟.

    والطريف أن علم الهدى وغيره خالفوا الرضا في هذا، فبينما يرى الرضا صحة الحديث الأول باعتبار الثاني، يرى هؤلاء ضعف الأول باعتبار الحديث الثاني[465].

    ومن لم يعجبه كل ذلك فقد روي عن الباقر، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم بأيها أخذ اهتدي، وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة، فقيل: يا رسول الله، ومَنْ مِنْ أصحابك؟ قال: أهل بيتي)).[466]

    فهذا يصحح الحديث، وذاك يضعفه، وآخر يصححه ولكن يحمل مقصود الصحبة في الحديث على أهل البيت. . وهكذا.

    والغريب أن كل رواية فيها مدح لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: إن المقصود منها أهل البيت، كالرواية السابقة، ورواية افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، وما تلك الواحدة؟ قال: هو ما نحن عليه اليوم أنا وأصحابي[467].

    فالمجلسي عند نقله للرواية السابقة عن الصدوق حذف كلمة وأصحابي، وجعل محلها وأهل بيتي [468]، فعلها مرتين وأراح نفسه من عناء التأويل.

    وعلى أي حال، لسائلٍ أن يتساءل: هل يحمل القوم روايات: ليذادن رجال من أصحابي يوم القيامة عن حوضي..الحديث. على أهل البيت؟

    وما دمنا في ذكر النجوم، فمقولة: ((إن أبا بكر وعمر شمسا هذه الأمة وقمرا هذه الأمة))، ذكروا فيها عن الرضا أنه قال: ((إن الشمس والقمر يعذبان))، فلما استغرب هذا منه قال: ((إنما عناهما لعنهما الله، أو ليس قد روى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الشمس والقمر نوران في النار؟ قيل: بلى، فقال: وهما في النار والله ما عنى غيرهما)).[469]

    ويبدو أن واضع هذه الرواية لم يقف على ما وضعه آخر وهو قول الصادق: ((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، الشمس أمير المؤمنين، والقمر الحسن والحسين)).

    أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثلي فيكم مثل الشمس، ومثل علي مثل القمر)).[470]

    أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا كالشمس وعلي كالقمر وأهل بيتي كالنجوم)).[471]

    نعود إلى ما كنا فيه. وعن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((قال إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا فمن حفظني فيهم حفظه الله ومن آذاني فيهم آذاه الله)). قالوا: لو صح هذا الحديث فالمراد بالوزراء فيه علي عليه السلام والجمع للتعظيم[472].

    وحديث ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)). قالوا: الظاهر أن المراد سب جميع الأصحاب بحيث يدخل فيه المقبول منهم والمردود على أن يكون الإضافة في أصحابي للاستغراق ولا كلام في أن ساب الجميع ملعون بل الظاهر أن المراد كون السب لأجل الصحابية لا لأجل استحقاق ذلك الصحابي لذلك[473].

    حتى زواج الفاروق رضي الله عنه من أم كلثوم ابنة علي رضي الله عنه، وزواج عثمان ذي النورين من رقية وأم كلثوم بنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان للقوم فيهما تأويلات ورُدود، فزواج عثمان رضي الله عنه من بنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد ثقل على القوم وهم يرون أن من فضائل علي رضي الله عنه زواجه من الزهراء رضي الله عنها، فكيف بمن تزوج ببنتين من بناته صلى الله عليه وآله وسلم؟! فكان مما قالوه في ذلك: أن رقية وأم كلثوم ليستا من بناته صلى الله عليه وآله وسلم.[474]

    ولم يكتفوا بذلك؛ بل زادوا أن عثمان رضي الله عنه قد قتلهما.[475]

    بل وذهب بعضهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس عنده بنت باسم أم كلثوم، وإنما ذلك من زيف الأمويين الذين اختلقوها وزوجوها عثمان الأموي.[476]

    وأنكر آخرون أن يكون عثمان رضي الله عنه قد تزوجهما أصلاً.[477]

    وغيرها من التأويلات لهذه الزيجة أعرضنا عن ذكرها.

    أما قولهم في زواج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أم كلثوم رضي الله عنها، فمنهم من رفض الزواج من أصله، وقال: إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين ابنته من عمر لم يثبت، وطريقه من الزبير بن بكار ولم يكن موثوقاً به في النقل، وكان متهماً فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين وغير مأمون[478].

    هذا رغم أن كتب القوم الرجالية تورد في ترجمة ابن بكار هذا أنه أعلم الناس قاطبة بأخبار قريش وأنسابها، وأنه نقل عنه روايات يظهر منها بطلان مذهب العامة، وحقيقة مذهب الخاصة[479].

    ورغم أن أخبار هذه الزيجة وردت من طرق كثيرة ليس فيها ابن بكار، حتى قال المجلسي في قول المفيد الآنف الذكر: إن إنكار المفيد رحمه الله أصل الواقعة إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طرقهم، وإلا فبعد ورود ما مرَّ من الأخبار إنكار ذلك عجيب[480].

    أما أنا فلا أرى قول المفيد عجيباً فماذا عساه أن يقول؟!

    ومنهم من قال: إن من تزوجها عمر رضي الله عنه لم تكن سوى جنية من نجران وليست أم كلثوم، فرووا عن الصادق أنه قال: ((إن أمير المؤمنين أرسل إلى جنية من أهل نجران يهودية يقال لها: سحيقة بنت جريرية، فأمرها فتمثلت في مثال أم كلثوم وحجبت الأبصار عن أم كلثوم وبعث بها إلى الرجل، فلم تزل عنده حتى أنه استراب بها يوماً، فقال: ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم، ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فقتل وحوت الميراث وانصرفت إلى نجران، وأظهر أمير المؤمنين أم كلثوم)).[481]

    أما من أقر بهذه الزيجة، فقال: ((إن الصادق رحمه الله قال في ذلك: إن ذلك فرج غصبناه)).[482]

    ولعمري إن حكاية ابن بكار وجنية نجران أحب إلي من نسبة هذا إلى الصادق رحمه الله.

    وقد علق المجلسي على الرواية السابقة وغيرها التي تؤكد هذه الزيجة بقولـه: هذه الأخبار لا تنافي ما مرَّ من قصة الجنية، لأنها قصة مخيفة أطلعوا عليها خواصهم، ولم يكن يتم بها الاحتجاج على المخالفين.

    بل ربما كانوا يحترزون عن إظهار أمثال تلك الأمور لأكثر الشيعة أيضاً، لئلا تقبله عقولهم، ولئلا يغلوا فيهم[483].

    وعلى أي حال، ففيما ذكرناه من تأويلات لهذا الزواج كفاية وإلا لطال بنا المقام.

    وكذا قولهم في روايات مدح الأمير لخلافة الشيخين رضي الله عنهما التي مرت بك، من أنها على الظاهر عند الناس أو تقية، ثم أراحوا أنفسهم فقالوا: بل الظاهر أنها من إلحاقات المخالفين[484]. وللقوم عذرهم.

    حتى قال ميثم البحراني في ذلك: واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالا فقالوا: إن هذه الممادح التي ذكرها. في حق أحد الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه، وإما أن يكون إجماعنا خطأ[485].

    وقالوا في الروايات المنافية لردة الصحابة رضوان الله عليهم؛ كرواية الكافي التي مرَّت بك وفيها قول الباقر من أن علياً رضي الله عنه كان الأحب إليه أن يقرهم على ما صنعوا من أن يرتدوا عن الإسلام. . . الرواية.

    قالوا: أي على ظاهره، وهذا لا ينافي ما مر وسيأتي[486] أن الناس ارتدوا إلا ثلاثة، لأن المراد فيها ارتدادهم عن الدين واقعاً، وهذا محمول على بقائهم على صورة الإسلام وظاهره، وإن كانوا في أكثر الأحكام الواقعية في حكم الكفار[487].

    ويقول المجلسي مضطراً بعد أن أورد العشرات من الروايات في فضائل الصحابة: وينبغي أن تعلم أن هذه الفضائل إنما هي لمن كان مؤمناً منهم لا المنافقين، كغاصبي الخلافة وأضرابهم وأتباعهم ولمن ثبت منهم على الإيمان واتِّباع الأئمة الراشدين لا الناكثين الذين ارتدوا عن الدين[488].

    وقال آخر بعد أن أورد عدة روايات في هذا الشأن: ((كاللهم امض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، الأنصار كرشي وعيبتي، في كل دور الأنصار خير، المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة، اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار، قبل بدء القتال في غزوة بدر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى ثم طوبى - سبع مرات - لمن لم يرني وآمن بي، قال له رجلان: يا رسول الله، أرأيت من رآك فآمن بك وصدقك واتبعك، ماذا له ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: طوبى له ، لا زال هذا الدين ظاهرا على الأديان كلها ما دام فيكم من رآني، أثبتكم على الصراط أشدكم حبا لأهل بيتي ولأصحابي، كان بين خالد بن الوليد وبين أحد المهاجرين الأوائل كلام، فقال خالد له: " تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها "، فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال: دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم)) ..ألخ. قال: ما تقدم من ثناء مشروط بشروط، منها: الإيمان الحقيقي، فلا يكون من في قلبه مرض مرادا قطعا، والاستقامة على المنهج الإسلامي وحسن العاقبة، لأن بعض الصحابة ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام، وبعضهم منافقون أسروا نفاقهم، ولكنه ظهر من خلال أعمالهم ومواقفهم[489].

    أي: أن كل هذه الآيات والروايات التي ذكرناها في هذا الكتاب لا تنطبق إلا على الثلاثة الذين لم يرتدوا كما مرَّ بك، وهم بهذا يعلنون فشل صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم في تربية هذا الجيل العظيم حتى توفي وترك بعده أكثر من مائة ألف من المنافقين والناكثين والمرتدين.

    حتى من تفاءل خيراً وظن أن أناساً آخرين دخلوا الدين بعد ردة الصحابة يفاجأ بارتدادهم بعد مقتل الحسين إلا ثلاثة أيضاً، كما يروي القوم ذلك عن الصادق[490].

    ولم يسلم من تأويلهم أيضاً نهي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا الأئمة عن لعن الصحابة رضوان الله عليهم، وإليك واحدة من تلك وهي كثيرة:

    عن علي رضي الله عنه قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء، قيل: يا رسول الله، وما هي؟ فذكر منها: ولعن آخر هذه الأمة أولها)).

    قال الصدوق: يعني بقولـه: ولعن آخر هذه الأمة أولها الخوارج الذين يلعنون أمير المؤمنين وهو أول الأمة إيماناً بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم[491].

    وهكذا وكما فعل غيره، جعل آخر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثين سنة بعد وفاته!



    اضطراب الشيعة في رد بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمن سبقوه

    وقبل كل هذا أو بعده اضطربوا في رد بيعة علي رضي الله عنه للثلاثة رضي الله عنهم، كقولـهم:

    إنه تأخر في بيعته -كما تذكر بعض الروايات- وليس يخلو تأخره من أن يكون هدى وتركه ضلالاً أو يكون ضلالاً وتركه هدى وصواباً وتركه صواباً، أو يكون خطأ وتركه خطأ، فلو كان التأخير ضلالاً وباطلاً لكان أمير المؤمنين قد ضل بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بترك الهدى الذي يجب المصير إليه، وبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالاً، وإن كان تأخره هدى وصواباً وتركه خطأ، فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى الخطأ ولا عن الهدى إلى الضلال، إلى أن خلصوا إلى القول بأنه رضي الله عنه لم يبايع من سبقوه قط.[492]

    ولا نرد على هذا سوى سؤال القوم عن الروايات العديدة من طرقهم والتي تدل صراحة على بيعته رضي الله عنه لمن سبقوه، كقولـه رضي الله عنه لنفر من قريش في ذكر البيعة: ((فبايعتم أبا بكر وعدلتم عني فبايعت أبا بكر كما بايعتموه، ثم بايعت عمر كما بايعتموه، ثم بايعتم عثمان فبايعته)).[493]

    وقوله رضي الله عنه: ((فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت معه في تلك الاحداث حتى زهق الباطل وكانت كلمة الله هي العليا وأن يرغم الكافرون فتولى أبو بكر رضي الله عنه تلك الأمور فيسر وسدد وقارب واقتصد فصحبته مناصحا وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا)).[494]

    وقد أقر بذلك آل كاشف الغطاء حيث قال: وحين رأى -أي: عليّ بن أبي طالب- أن الخليفتين، أعني الخليفــة الأول والثاني -أي: أبو بكر وعمر- بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح ولم يستأثرا ولم يستبدا بايع وسالم.[495]

    بل واستعداده لبيعة غيرهم، كقولـه لطلحة لما برز الناس للبيعة عند بيت المال: ((ابسط يدك للبيعة، فقال لـه طلحة: أنت أحق بذلك مني، وقد استجمع لك الناس ولم يجتمعوا لي)).[496]

    وغيرها وهي كثيرة حتى أقر بها المتأخرون[497].

    فانظر كيف توفق بينها؟!

    وعلى أي حال، نكرر هنا ونقول: إنه لا يسعنا حصر كل ما أورده القوم في ذلك.
    • :: العضويه الذهبيه ::

    توفيق القاضي

    • المستوى: 7
    تاريخ الإنضمام:
    ديسمبر 5, 2007
    عدد المشاركات:
    6,536
    عدد المعجبين:
    65
    الوظيفة:
    موضف بــ الجوالات
    مكان الإقامة:
    k_s_a
    جزالك الله خير وموفق باذن الله

انشر هذه الصفحة