حكم عبد الفتاح والشرجبي للجنوب

الصراع

الحزب الاشتراكى اليمنى مسمى من المسميات التى أثارت الجدل فى الساحة العربية منذ نشأته الغامضة والمثيرة للجدل والنقاش عبر تاريخه ومسيرته , التى كانت خليط من الصراع والاقتتال الداخلى فى حياة الحزب الداخلية التى قامت على الخلاف , والمحاولات البائسة للخيارات اليائسة فى مسيرة الصراع القائم بين قادته وأفراده .

ولا تخلو مرحلة من مراحله التاريخية من صراع نافر وشاذ , بين أطرافه المتعددة , التى يوحدها الاسم , وتمزقها الأنانيات والتطلع إلى إحلال كل فريق محل الفريق الآخر , وكلما أتت مرحلة فارقة قدم الحزب من أعضائه وجبة كقربان لهذا الصراع , كما سيتضح آنفا.

الصراع مع الأسف الشديد كان العامل المشترك فى حياة الحزب , ومراكز القوى على قمة السلطة , وقمة الحزب.

لقد كانت حياتهم كلها صراعات ولم تفرز انجازات عبر مسيرة استمرت من 1967 إلى 1978 وهى انتهاء مرحلة الجبهة القومية .

ثم مرحلة الحزب الاشتراكى التى بدأت من نهاية عام 1978 بمصرع الرئيس سالمين , ثم قيام الحزب الاشتراكى فى نهاية 1978 الذى شطب التاريخ الكامل للجبهة القومية.

على أساس انه حل محلها ليس فقط كتنظيم وإنما كطراز جديد فى مسيرة الحزب والتاريخ شكلت علامة فارقة , فى الحياة الداخلية للحزب .

فى عام 1978 عين عبد الفتاح إسماعيل رئيسا لمجلس الرئاسة , بمجرد تخلص الرفاق من الرئيس سالمين , وفى ذات العام عين عبد الفتاح أمينا عاما للحزب الاشتراكى اليمنى الذى حل محل الجبهة القومية .

* * *

فى 26 يونيو 1978 تكالبت كل قوى الشر فى الجبهة القومية , على الإطاحة بسالم ربيع على رئيس مجلس الرئاسة المغدور به , وبمجرد إعدامه أسرع الرفاق الخطوات بإعلان ميلاد الحزب الاشتراكى اليمنى , وظهر على السطح فى أكتوبر من نفس العــــــــــام عبد الفتاح إسماعيل " كمؤسس " للحزب وبذلك جمع بين منصبى الأمانة العامة ورئاسة الدولة .

وهذا ما أوضح فيما بعد حقد الرجل على سلفه , برغم الصداقات التى كانت بينهما ، إذ ألّبَ كل الأعضاء باللجنة المركزية على التخلص منه حتى يمتطى جواده , ويحل محله , لأن سالمين كان يشكل بالنسبة له عبئا وحائلا دون طموحاته فى إعلان الحزب والقفز على مركز الرئاسة ... ليس إلا.

* * *

لقد كانت روح التسلط والأنانية من دوافع الرفاق لتخلص بعضهم من بعض , وإسقاط كافة التحالفات والمواثيق والتفاهمات التى كانت تسود بينهما , بين الكواليس قبل تنفيذ الضربة القاضية على بعضهم البعض .

لقد طلت الفتنة برؤوسها كرؤوس الحيات فى كل اتجاه وتفجرت العاصفة بين الرفاق ودخلت المرحلة مفردات جديدة لمسار جديد .

* * *

حكم عبد الفتاح إسماعيل البلاد من 27 ديسمبر 1978 حتى 1980 بقبضة حديدية عبر الحزب والدولة معا , وكان يساعده فى التنفيذ "بيريا الرهيب "(الشرجبي) تلميذه المدلل فى تنفيذ كل المهام الإرهابية والقسرية ابتداء من الغدر , ومرورا بسحل العلماء والأخيار , وانتهاء بالاختفاء القسرى والتهجير .

فلا تستغرب عزيزى القارئ إذا لامست إذنيك ما يسمى بأسطورة الحزب ومنظره ومبدع القيم النضالية وأسطورة عصره .

لقد كان يشغل الشباب والسذج بما عرف بـ "القيم النضالية " , وأساليب العمل النضالى كـ"السرية فى العمل ... ونفذ ثم ناقش ... والنقد والنقد الذاتى ... والطاعة العمياء ... والانقياد للقيادة ."

لا تندهش - عزيزى القارئ - إذا علمت أن صاحبنا هذا كان عميلا مزدوجا لـ ( K.G.A ) والمخابرات البريطانية .

كانت العمالة مزدوجة ولم يتنبه إليها احد حتى عناصر الحزب القيادية إلا مؤخرا .

وعندما سئل عبد الفتاح إسماعيل عميل موسكو الأول عن علاقته بضابط المخابرات البريطانى الايرلندي الأصل " هندرسون " برر إسماعيل علاقته بضابط المخابرات البريطانى فى عدن قبل الاستقلال عندما كشف أمره زاعما أن " هندرسون " هذا.. ضابط ناقم على بريطانيا وانه يستفيد منه ؟؟!!!!

تبرير واهن ومغالطة مكشوفة وساذجة (131 )

* * *

كان عبد الفتاح إسماعيل برغم رقته كأديب وملامحه الطبيعية كشخص عادى , إلا أنه كان يحمل روحا عالية وحزما قويا , وأسلوبا حديديا فى تعاطيه للسلطة داخل الحزب وعلى قمة السلطة فى الدولة ,

كان يدير الدولة من موقعه فى قصر" معاشيق"بدون منافس , برغم محاولة البعض الحقد عليه , لكنهم كانوا يخشونه ويتقربون إليه , لأنه كان الرجل الوحيد فى الدولة الذى يدير البلاد بجهاز " الريموت " عبر جهاز خاص متصل بكل رؤوس السلطة كدمى يحركهم كيفما شاء , لأنه رجل عمل.. ورجل نظام , وليس عنده ما ينشغل به وقته سوى الإمساك بالقبضة الحديدية على مفاصل السلطة , وريموت يحرك به كافة الدمى فى الأجهزة الأمنية فى الدولة , لعلمه أن هؤلاء يعملون كموظفين وليس كرجال دولة , ولهذا كثيرا ما أنقذ السلطة من محاولات البعض التسلل الى الكيان والسياج الحديدى الذى أحاط به الرجل نفسه وسلطاته , ومع ذلك تسرب التفسخ فى قلب الدولة بسبب الانهيار الأخلاقى والسلوكات غير السوية للبعض , مما حول كثير من وزرائه إلى جواسيس على بعضهم البعض , وكان "بيريا " ظله الذى لا يفارقه إلا عند النوم . * * *

كان عبد الفتاح إسماعيل يحرص رغم التناقضات التى كانت سائدة فى صفوف الرفاق أن يشد من هممهم نظريا على ضرورة الانشداد إلى مصالح الناس والتحلى بمنظومة القيم " النضالية والديمقراطية والاشتراكية والوحدة والتقدم والعدل ".

كقيم يرددها دائما وتتعارض عمليا مع التطبيق الذى كان سائدا فيما بينهم , فلا يشدد معهم على التمسك بالقيم الأخلاقية رغم أنها مبرر لاستمرارهم ولكنه كثيرا ما يؤكد على قيم التقدم والاشتراكية , وإذا نظرت حولك فلا تلمس هذه الروح سائدة فى أوساط الرفاق , فحياة الرفاق الداخلية كانت خليط من التناقضات ,

النضال يساوى التفسخ ........

والتقدم يضاهيه التخلف.......

والعدل توأمه الظلم.......

والديمقراطية يوازيها القمع والديكتاتورية.....

والوحدة تتعمق من خلالها مفاهيم وسلوكات الانفصال

فلا شىء ثابت على هذه المنظومة.

وإنما كان كل شيء هراء , يراد به نظريا , التمويه على الإطار الخارجى للحزب , ولا يحاسب الأعضاء على الإخلال بهذه القيم .

مثلا :

قيم الاشتراكية : تعنى عمليا الانشداد الى مصلحة الناس , وعدم المباهاة أو التسابق على المنافع والاستهلاك الترفى فى الحياة العامة للرفاق .

لكن حياة الرفاق على الواقع هى مزيج من حرية الحركة , والسلوك المغاير للواقع وللقيم المتعارف عليها .

خذ عندك على سبيل المثال :

يعاقرون الخمر معا , ويتبادلون رفيقات ومناضلات الحزب على المستوى الواقعى واليومى بكل بساطة وشفافية وكأن ذلك عمل مباح شرعا ..

فأين تقع قيم الاشتراكية فى هذا الإسفاف العملى الخارج عن المنطق وعن العقل وعن القيم الأخلاقية والسلوكية السائدة فى المجتمع ؟؟؟؟؟!!!!!!!.

عليك أن تبحث أيضا عن كل مفهوم من مفاهيم القيم التى يتشدقون بها نظريا..

هل تجد مثلا قضية العدل سائدة فى المجتمع – أى مجتمع الرفاق؟؟

فحيثما وليت وجهك ستجد أن سلطان الظلم قائم حتى فى حياتهم الاسرية , فى السلطة , أو خارجها ..

خذ عندك :

أحدهم استولى على ثروة من خلال السلطة , فوزعها على أبنائه ومحاسيبه .. ولكن ليس بقيم العدل , وإنما بقيمه هو التى يعيش فيها وشريعته التى ابتكرها , وخطها , كمنهج وسلوك لحياته وواقعه اليومى .

وليعفنى القارئ عن الخوض فى التفاصيل والمفردات المرادفة لها .

* * *

يقول مناصرى عبد الفتاح إسماعيل أن ذروة عطائه السياسى والفكرى برزت حين انتخب رئيسا لهيئة رئاسة مجلس الشعب بعد مقتل سالمين , ثم عمله على توحيد كافة الفصائل السياسية فى الحزب الاشتراكى اليمنى , و كما يقول مرجع حزبى هو ذروة ما قدمه فى حياته السياسية القصيرة . (132 )

حيث قررت الموسوعة الحرة " ويكيبيديا ", أن من الأعمال التى تذكر لعبد الفتاح إسماعيل عقد قمة فى الكويت بينه وبين الرئيس على عبد الله صالح على إنهاء كل أشكال الاحتراب والسعى فى تحقيق الوحدة اليمنية على قاعدة الاندماج , فاغضب هذا الاتفاق قيادات قبلية فى الحزب اعتبرته ضما للجنوب إلى الشمال لتشكيل تحالفا ذا ثقل عسكرى وقبلى جديد .

مما أدى إلى بروز تحالف جديد ضده من العناصر القبلية.

أثار هذا الاتفاق حفيظة العناصر الأخرى ومنهم " على ناصر محمد , وعلي عنتر, وصالح مصلح , وعلى سالم البيض ومحمد صالح مطيع وعلى شايع هادى ", فشكلوا ما عرف بتحالف القبليين ضد عبد الفتاح إسماعيل ,

وفى هذا الجو المكهرب قدم على عنتر تقريرا لأعضاء اللجنة المركزية فى الحزب ضد وزير أمن الدولة محسن الشرجبى " بيريا " يتناول فيه الصراع على موضوع الاستطلاع السياسى فى وزارة الدفاع متهما وزير الدولة محسن الشرجبى بأنه يتجسس على أعضاء الحزب والقيادات , وانه لديه خططا لاختطاف بعض المسئولين , ورد محسن باتهامات مماثلة ليبدأ على عنتر حملة ضد عبد الفتاح إسماعيل برفقة "على ناصر محمد , وصالح مصلح , وعلى سالم البيض ومحمد صالح مطيع , وعلى شايع هادى , انتهت بإقالة عبد الفتاح إسماعيل وإبعاده إلى موسكو , بعد أن كان أمينا عاما للحزب ورئيسا لمجلس الشعب الأعلى لعدة أسباب منها وفق زعمهم :

1. عدم استطاعته الوفاء بالتزامات الرئاسة .

2. لانشغاله بالنواحي التنظيمية .

3. لرفضه النزول على رغبة خصومه بفصل رئاسة الدولة عن الأمانة العامة للحزب .

وبالفعل أدت هذه المنازعات إلى رحيل عبد الفتاح إسماعيل إلى الاتحاد السوفيتى حيث استمر بها خمس سنوات إلى عام 1985 .

ونفى محسن الشرجبى بعد أربعة شهور الى "أثيوبيا" ثم سفيرا في "هنغاريا".

ومن عجب أن على ناصر محمد تحالف مع هؤلاء ,ليكسب الجولة , باستحواذه على رئاسة الدولة والامانة العامة للحزب ورئاسة الوزراء , وهكذا فاز بها عكاشة.

وعندما يعود عبد الفتاح إسماعيل من منفاه فى موسكو فى فبراير 1985 تكون عودته بناء على طلب هؤلاء الذين أبعدوه , ما عدا على ناصر , وتحالف معهم من جديد – هذه المرة ضد على ناصر محمد .

لتحدث بعد ذلك مجزرة 13 يناير وينجو منها بأعجوبة ثم يختفى...!!!!!!

وفق تفاصيل لسنا بحاجة إليها الآن . (133 )

فى هذا الوقت – قبل نفيه إلى موسكو - كان عبد الفتاح إسماعيل كما اشرنا يمسك السلطة بقبضة حديدية وكانت البلاد خاضعة لنفوذه وسيطرته مما احدث خللا فى البنية الاجتماعية أبان مرحلة السبعينات التى كان فيها الرئيس سالمين شريكه فى السلطة ومع ذلك كان يقبض بيد من حديد على كل مفاصل الحياة اليومية , ولذلك حدثت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وممارسات قهرية لأعمال القتل والغدر والاختطاف وسحل العلماء , وتتبع الناس , والاختفاء القسرى , والتهجير لمئات الأسر والعائلات فى كل أنحاء الجنوب .

* * *

تعاظمت عمليات الاختطاف القسرى بعد الاستقلال مباشرة وسادت البلاد موجة من الاختطاف والاختفاء القسرى لعناصر مناضلة من التنظيم الشعبى والمواطنين العاديين

لحساب الأمين العام عبد الفتاح إسماعيل الذى يتحمل مسئولية هؤلاء قانونيا وتاريخيا.

والمعروف أن الاختطاف القسرى اهتمت به الأمم المتحدة وأصدرت قانونا باسم " إعلان حماية الاشخاص من الاختفاء القسرى

وقد قامت حكومة الرفاق فى العهد المظلم من عام 1970 الى عام 1978 فى عهد الرفيق عبد الفتاح إسماعيل وبيريا , محملين الرئيس سالمين نتيجة هذه الأفعال النكراء ضد المواطنين

ورحل الرجل فى ظروف غامضة كما كانت حياته غامضة .. ترى من قتل عبد الفتاح اسماعيل

قيل يومها عدة روايات :

* الرواية الأولى أنهما دخلا دبابة كانت واقفة خارج اللجنة المركزية فخرج البيض وحده لينتقل إلى مدرعة كانت منتظراه بالقرب من المكان , ولم يخرج عبد الفتاح إسماعيل وقيل - والكلام هنا للإشاعات – أن البيض خنق صاحبه داخل الدبابة لثأر سابق , وهو أنه من تسبب بطرده من الحزب , غير أن هذه الرواية لم تتأكد من مصادر موثوقة .

* الرواية الثانية : أن الدبابة التى كان بها عبد الفتاح إسماعيل تعرضت لقصف نارى , أدى إلى اشتعالها .

* الرواية الثالثة وهى شبه المؤكدة , أن البيض أخذ الرجل فى المدرعة - والاثنان مصابان – إلى منزل العم سعيد صالح سالم ، وذهب , وقيل يومها أن العم سعيد وهو من أنصار على عنتر , قد أمر حارسه المدعو ( جوهر ) بعد يومين من أخذه إلى وسط البحر القريب وأطلق عليه النار ورماه للحيتان , وبعد أيام أصيب جوهر بلوثة أو هذيان وبدأ يصرخ : " قتلكوا الحزب .. قتلكوا الحزب " .

فخشى العم سعيد صالح افتضاح الأمر فقتل جوهر وأخفاه .

وهذه هى الرواية المؤكدة والتى يؤكدها مقربون إلى أسرته .

* هناك رواية ضعيفة وهى الرواية الرابعة : تقول أن على البيض أرسله إلى البحرية التى تتبع على ناصر محمد وأن قائد البحرية ( أحمد عبد الله الحسنى ) قد تخلص منه على الفور.

ولكن هذه الرواية غير صحيحة * * *

منقول

الأخ خالد والأخ أبو عبد العزيز
سعيد باطلاعكم ومروركم العطر تقبلو تحياتي