بعد الفراق

هذه قصيدة للشاعر الكبير احمد الشامي قيلت عام 1946 م والقصيدة طويلة اخترت منها هذه الابيات فيه الكثير من المشاعر التي تعبر عن الفراق والبعد عن الاهل والاحباب والجيران والاوطان وكيف يكون البعد احيانا علاج عندما تضيق بنا الارض بما رحبت شاعرنا عبقريته الشعرية تصف الوضع القائم الذي عم فيه الفساد والاحزان في تلك الحقبه من الزمن وهو يحاور زميله بالرحيل للخروج من هذا الجو الكئيب لعله يجد سلوته في مكان اخر على الرغم من الفراق للاحباء وايضا ان الانسان احيانا قد يرى في الموت راحة له عندما تضيق به الارض بما رحبت اذن قصيدة جميلة ومعبرة
بعد الفراق
احمد الشامي تعز 1946

ودعت تلك الربوع حيرانا ** يفيض قلبي اسىً واشجانا

وقفتُ في ساحها أُخاطبها ** بالدمع لا استطيع تبيانا
تحيّر اللفظ في فمي حزناً ** يعثر بين الشفاة حيرانا
أُنظرها خاشعا وقد ملأت ** صدري همومُ الفراق نيرانا
يا ويح نفسي أكلما نعِمت ** بالوصل لاقت نوى وهجرانا
وودعت صفوها وراحتها ** وصادفت جفوة ً وحرمانا
وصادمتها الخطوب قاسيةً ** تسومها بالعذاب ألوانا
وصاحبٍ من عشيرتي لبقٍ ** قلت له حين حان مسرانا
يا صاحبي جد المسير ان لنا شأنا ** وأعظِم بمثله شأنا
قال وما شأننا وكيف بنا ** اذا رحلنا وأين مأوانا
وهل لنا في الوجود من وزرٍ ** وهل سنلقى هناك سلوانا
قلت تمهل فقال كيف ** وهل يسلو ويرتاح مغرمٌ بانا
ومن لنا و النوى تعذبنا ** والشوق يذكي القلوب نيرانا
قلت لقد روّعتك أخيلةٌ ** تملأُ وجه الوجود اشجانا
وأنت من لم يضِق به بلدٌ ** ولم يسِر في البلاد غضبانا
ولم يفارق من قبل أيكته ** مفارقا جيرة وخلانا
دعنا نسر يا أخي الى بلدٍ ** تلقى بها أُُخُوة وإخوانا
هناك حيث النُهى مكرمة ** هناك حيث القلوب تهوانا
نحيا فلا فاسدٌ ينال بنا ** ما يبتغي إذ يقول بهتانا
فقال والأهل قلت حسبهم ** ربٌ يعُم الأنام احسانا
وربما توهب الحياة لذي ** يأس لأحكام دهره دانا
ومن تكن عينه بصيرته ** يرى أطلاب البقاء خُسرانا
والموت عند الحكيم معرفةٌ ** يطلبها كي ينام جذلانا
فلا تُبَل بالخطوب ان عصفت ** وكن غليظ الفؤاد احيانا
ولا تضق بالحياة ان عبست ** فقد يجر السرور أحزانا
وانظر ترى الارض في مشاكلها ** قد طفحت بالشرور أفنانا
وانظر ترى الناس في نقائِصِهم ** غرقى ولا يطلبون غفرانا
والناس لا يستوون معرفةً ** كالناس لا يستوون ألوانا
تباينوا منبعاً وحاشيةً ** وغاية تُرتجى وأديانا
قال اذن فالزمان مبتسم لنا ** وعين الإلاه ترعانا
وهكذا كلما أتى رجلٌ ** بكى صروف الحياة ألوانا
مُشكلة لا تزال غامضةٌ ** كم اجهدت ألسناً وأذهانا
تضيع فيها العقول خاسئةً ** إذ لا ترى حجة وبرهانا
وليس كالدين راحةً فإذا ** ما ضِقت صادفت فيه سلوانا
تحيا به ناعما فإن نضَبُت ** روحك لاقت رِضا ورضوانا